رواية للكاتبة يسرا مسعد من الفصل 1 إلى الفصل 11 الجزء التاني
انت في الصفحة 1 من 36 صفحات
الفصل الأول
رن الهاتف للمرة الثالثة على التوالي وكان عازما على تجاهله ولكنه بدا وكأنه مصر على المضي قدما بمحاولة إيقاظه تأفف ونظر للفراش الفارغ جواره وقام واتكأ على مرفقه ثم تناول الهاتف فرأى اسم أخيه أسامه يلمع في ظلام الغرفة وأتاه صوته مستجيرا
جاسر ألحقني
وانقطع الاتصال
هب من فراشه وحاول الإتصال بأخيه مرة أخرى ولكن ما من جيب
الحاډث قضاء وقدر
قدر الله وماشاء فعل
كلمات تنصب على أذنيه من وقت لاخر وكلها تدور حول معنى واحد ما فقد قد فقد ولا مجال لاستعادته
ولكنه كان المخطىء هو المسئول
هو من تسبب بفقدان زوجته الشابة لحياتها
وهو من أطفأ برعونته نور الحياة في أعين صغيرته الوحيدة
وهو الذي غفا على عجلة قيادتها
ولسخرية الأقدار هو من استبقت أنفاسه الحياة
أنت برضة هتسهر الليلة
في الماضى كان سؤالا ضجرا لم يكن يستسيغة
وأضحى اليوم تبرما لايطيقه نظر لها وقال ضائقا
أيوه يا آشري ورايا ..
لم تدعه يكمل حواره فلقد ضاقت بذرائعه التي لا تنتهي فقالت
زم شفتيه ساخرا وهو ينصرف
أنهي فيهم !
آلو آشري
تنهدت بقنوط فهي لم تكن في مزاج يسمح لسماع سيل الشكاوى الذي لايتوقف من فمها منذ أن أجبرها زوجها على الإنتقال للعيش برفقة سوسن خانون
كما كانتا تدعونها سرا فقالت بتعب
أزيك سالي. هاو أر يو
أنا كويسةأنت عاملة إيه بقالي أسبوع ماسمعتش صوتك
كنت مسافرة برةكان عندي شغل
أنت إيه أخبارك
اختنق صوتها بالعبرات واندفعت الكلمات من حلقها ولكنها توقفت عند حافة شفتيها ليخرج اسمه معلنا أنه المسئول الأول والأخير عن عڈاب صاحبته
جاسر
بالطبع جاسر
فالبداية جاسر
والنهاية أيضا جاسر
وخيوط تلك الدمية معلقة بكف جاسر
وبين أناملة تقبع وتنتظر إشارة من جاسر
وفعليا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الشكوى والثرثرة
وإسداء النصح لمن لا تتحرك إلا بهوى وأمر من جاسر
فقالت معنفة وآمرة في الوقت ذاته
مبدئيا ساليقولتلك ألف مرة ماتبتديش كلامك بجاسر أبدا
...قولى ورايا أنا سالي
همهمت پبكاء وأطاعتها
مالك
سؤال آمر نافذ لكأنما تلقيه على أحد مرؤوسيها وهي حقا لا تهتم بالإجابة قدر إهتمامها بإنصياعه لأمرها تماما ك جاسر
تعبت
همسة مقهورة لخصت سنوات عمرها الفائتة منذ رحيل والدها وتقدم والدتها بالعمر وعدم إحتمالها لأي أخبار سيئة عن زيجة ابنتيها
ومؤخرا مرض حماتها الذي جعلها قعيدة للفراش متنمرة عليها بكل ساعات النهار والليل
وعصبية زوجها وتحكماته التي كانت لاتنتهي حتى طالت نسمات الهواء التي تتنفسها
نتقابل بكرة في النادى!
اقتراح ألقته على مسامعها بكل رقة
افتقادها للأمومة ولطفل تحتضنه بين ذراعيها طوال سنوات زيجتها كان مؤلما للغاية
ولكن سالي كانت تنجح في استثثار مشاعر الأمومة خاصتها وتستنزفها في كل مرة تطلب عونها باكية
فقالت موافقة فى الحال
ماشي بس في معاد تدريب الولاد عشان...
فردت متبرمة
عارفة جاسر
مر شهران ولم يخرج من منزله بل لم يغادر حجرته
تقريبا بنفس المنامة التى رآها عليه منذ أسبوع
استطالت خصلات شعره حتى وصلت لأطراف كتفه
وشعيرات ذقنه الخشنة قد غزت أطراف ياقته المتسخة
جالسا تقريبا بنفس المكان الأريكة التي تتوسط الغرفة وخلفها يقبع الفراش
الوحيد من متاع الغرفة الذي كان يحافظ على رونقه
فصاحبه لا يمسه فشريكته تتوسد الثرى
فكيف له أن يهنأ وحده بفراشهما
وقف أمامه وداخله شكا أن أخاه لا يراه فقال مناديا
أسامة. أسامة
رفع رأسه وأجفل قائلا
جاسر أنت هنا من أمتى
اقترب منه وقال
أنت اللي هنا من امتى
قوم معايا وجذب يده ليقف أمامه ولكنه كان خائر القوى فكاد أن يسقط تمالك جاسر أعصابه وعضلاته ودفعه للوقوف مرة أخرى وقال
رجعت تاخد الزفت ده تاني
نظر له بتبلد وقال بابتسامة صفراء كأسنانه التي عرفت للتبغ وصبغته طريقا
آآه. بيريحني أوي
دفعه جاسر للخروج من الغرفة وسار به حتى وصل للدرجات الرخامية وقال
هتعرف تنزل ولا أسندك
الټفت له وقال
هنروح فين
نظر له وأدرك أنها قضية خاسرة وأن كل ما يلزمه شلال ماء بارد يصبه على رأس أخيه وينتهي من أولى مشاكله وبالفعل قد كان
وبعد ساعة زمنية كان قد جلس متوسطا بمقعده أرضية المطبخ بلونيها الأسود والأبيض وقد أمر جاسر الخادمة بإعداد فطورا
لذاك الذي كان يبدو منقطعا عن الطعام منذ أيام فجلس يلوك قطعة الخبز ببطء فقال جاسر مشمئزا
وبعدين يا أسامة هتفضل كده لحد أمتى
رفع رأسه ومنحه نظرة خاوية
جاسر أخيه الأكبر
الواعظ الذي لا يمل من تصحيح أوضاع الجميع حوله
وفى كثير من الأحيان ليس صحيحا بالفعل
ولكنه صحيحا بالقدر الذي يرضيه
وقد ظهر اليوم ليملي عليه ما يتوجب عليه وعله
عيناه كانت زائغة ولكن كلماته كانت مصممة على إصابة مستمعها بچروح نافذة
لما تبقى تخسر اللي أنا خسرته هتبقى تعرف
لم تكن تلك عادته ولا تلك كلماته.
كانت نفسه الجريحة المحملة بمرارة